كانت كلمة "شيوعي" من اكثر التسميات التي رافقتني أيام طفولتي كوني كنت طفل ينحدر من عائلة يسارية مثقفة تؤمن بحقوق الشعوب بالتحرر و العدالة الاجتماعية و المساواة.
كان وعيي المحدود وقتها كافيا لأن ادرك ان هذه التسمية فيها نوع من المذمة و العيب ، و كنت كثيرا ارجع الى البيت باكيا لأسأل أمي ان كنت شيوعيا، لأجد ضمة أم خائفة على ابنها من ضغط الأصحاب و همسة تأكيد أنني - كما أهلي - لست شيوعيا و أن هناك فرق بين الشيوعيون و الذين يؤمنون بالاشتراكية.
مرت السنين و لا زلت أضطر أن أشرح للبعض أنني لست شيوعيا و لا أؤمن بالشيوعية و لا أراها كنظام سياسي مناسب لأي بلد كان . و كنت بعد الكثير من الشرح و التفصيل أنظر الى عيون وخاطبي لأرى نظرة ضياع في التفاصيل، و كثيرا ما قاطعني البعض ليسأل : يعني من آخرو ، بتآمن بالله وللا لأ ؟
هذا الخلط في المفاهيم اللذي صور كل اليساريين على أنهم لادينيون و ملحدون يأتي نتيجة لأرث سياسي و تاريخي طويل يبدأ بشكل أساسي أيام عبد الناصر - الشيوعي - اللذي سحب الأملاك و الأطيان من أيدي البرجوازية السورية (اللتي كانت و لا تزال متدينة بشكل عام) تحت اسم التأميم. و تم تعميق الكراهية مع وصول حزب البعث (المسمى بالاشتراكي و ان كان شيوعيا أكثر من كونه اشتراكيا) الى السلطة و اكمال عملية انتزاع الأراضي تحت اسم الاصلاح الزراعي . و هكذا أصبح اليساريون أعداء الشعب (اصحاب الأملاك) و أعداء الله..
صحيح ارتباط الشيوعية بالاشتراكية في ناحية معينة كون الشيوعية خلقت لتكون الصيغة التطبيقية لرؤية لينين و تروتسكي الاشتراكية، و كان من أهم أهداف لينين وقتها الغاء سلطة الكنيسة الأورثودوكسية التي استمد القيصر مصداقيته منها. لذلك رفضت الشيوعية أي شكل من أشكال الوجود الديني في الدولة من أجل الحفاظ على الدولة كمصدر وحيد للانتماء.
لا تحاول الاشتراكية عمل أي شيء سوى تقديم الأطار العام لبناء الدولة على أساس المساواة . فهي تؤمن اطارا ديموقراطيا لمشاركة الشعب بالحكم و ببناء مستقبل البلاد اللتي يعيشون فيها عبر تشريع الأحزاب و بناء التمثيل البرلماني للجميع ، و تجعل الدولة مسؤولة أمام الشعب لتقديم خدمات طبية مجانية مفتوحة أمام الجميع و مقدمة من قبل أطباء يتلقون راتبهم من الدولة و ليس من المريض.
و تجعل الدولة مسؤولة عن تقديم التعليم بشكل مجاني أو شبه مجاني (مع تقديم تسهيلات أو اعفاءات ضريبية في حال الدفع) و تأمين الكادر التعليمي المناسب و المؤهل.
و تؤمن الميكانيكية اللازمة و التشريعات المطلوبة لتشكيل النقابات و اتحادات العمال من أجل حماية حقوق العمال من أرباب العمل ، و تعطي هذه الهيآت القوة و الصلاحيات اللازمة لتقوم بعملها على أتم وجه .
هذا النظام الاجتماعي الذي له أبعاد أكبر و أعم من ما ذكرنا بكثير ، غير معني بتحديد حرية الفرد الدينية و لا يمارس أي نوع من أنواع القمع الطائفي ضد شعبه ، بل بالعكس يمنح الشعب القوة اللازمة لفرض ارادته في حرية الممارسة و العبادة ما دام الدين سيبقى مفصولا عن الدولة من حيث التشريع . أفضل أمثلة اشتراكية عالمية هي ألمانيا و فرنسا و انجلترا و كندا و ايطاليا ، و هي أنظمة كانت و ما تزال من ألد أعداء النظام السوفييتي الشيوعي الزائل حيث انها تطبق الجانب الحياتي للأشتراكية مع المحافظة على اقتصاد السوق المفتوح الرأسمالي .
فاذا لماذا ارتبط مفهوم الايمان أم عدمه بايمان الفرد بنظام سياسي ديموقراطي ؟ و لماذا اندمج مفهوم الشيوعية و الاشتراكية كثنائي ملتحم دائما في الوعي السوري ؟ هل سنستطيع أن نصل الى مكان نستطيع فيه اعادة فرز المفاهيم و قبول تعريفات جديدة ؟
No comments:
Post a Comment