Sunday 26 June 2011

العلمانية


تقرير عن العلمانية

Thursday 16 June 2011

اللامركزية و سوريا الحديثة


لقد كانت التجربة الديغولية في فرنسا،  و التي يمكن اعتباها واحدة من أكثر التجارب اليسارية اثارة للاهتمام، واحدة من الحالات القليلة التي دعت الى، و طبقت اللامركزية بشكل حقيقي و بكل الأبعاد الممكنة للمفهوم. 
و هذه اللامركزية التي نتكلم عنها هنا هي لامركزية الحكم، و التي هي اساس النظام الديمقراطي الصحيح الذي يهدف الى الغاء البيروقراطية و تدعيم مراكز اتخاذ القرار المحلية التي هي أكثر قدرة على تقييم و تحليل المعطيات قبل اصدار القرار بحكم استقلاليتها.

ولكن الجانب الآخر لمفهوم اللامركزية، و التي طبقته فرنسا الديغولية بشكل ناجح، هو لامركزية المدن و الثقل التجاري، و هي واحدة من أهم المفاهيم التي يجب أن تأخذ بعين الأعتبار عند دراسة و تحليل الوضع السوري المعاصر.
لقد عملت الحكومة الفرنسية أيام ديغول على دعم المدن الفرنسية بشكل متساوي، و شجعت ظهور جامعات و مراكز تعليمية أكبر و بأهمية تساوي تلك التي في العاصمة باريس . كما عملت  على تشجيع المشاريع البيئية و السكنية و الصناعية في مدن أخرى و قدمت مساعدات مالية و اعفاءات ضريبية لمن يريد بدء مشروع معين في تلك المدن.
هكذا، و ان كانت باريس لا تزال المدينة الرئيسية و مقصد المهاجرون الأول عند القدوم الى فرنسا، و لكنها تبقى اختيارا شخصيا لفرنسي يبحث عن فرص عمل و حياة افضل . فهو عنده الاختيار بين ليون و نانت و تولوز و مارسيليا و بوردو، و كلها توفر فرص عمل جيدة و  مهمة ، و تنافس باريس من حيث نوعية الحياة و رخص المعيشة.

هذا النموذج السياسي و الاجتماعي قد يقدم الكثير من الحلول لمشاكل االدولة السورية المعاصرة و خصوصا لمشاكل الهجرة و السكن و فرص العمل للشباب.

 عبر العقود الخمسة الماضية، تم تهميش و تفقير الكثير من المدن السورية لأسباب سياسية و اجتماعية عديدة، و تم التركيز على جعل دمشق و حلب المركزان الأساسيان للصناعة و التجارة و الأمور الخدمية مما أدى الى ازدياد الهجرة اليهما و استنزاف الطاقات و الكوادر من بقية المدن السورية.

هذه الحالة، و ان كان يمكن تعميمها على عواصم أكثر مدن العالم، كان لها جانب سياسي خفي هدفه احكام السيطرة على الموارد الأقتصادية الأساسية و تملكها بشكل كامل أو جزئي من قبل ازلام النظام، و الحفاظ على رؤوس الأموال الأساسية تحت رقابة لصيقة من قبل الأجهزة الأستخبارية منعا من أي حراك سياسي أو انفصالي ممول من هؤلاء التجار.

هناك جانب آخر ذو ابعاد اجتماعية مدروسة، و هو زيادة الخليط الأجتماعي و العرقي في هذه المدن و دعم ظهور طبقة غنية جديدة و غريبة عن سكان المدينة الأصليون . ان فقدان هذا التجانس الاجتماعي و خلخلة نسيج المدينة بزرع المستفيدون من وجود هذا النظام بين سكان المدينة، أدى - كما لحظنا في هذا الحراك الثوري الحالي - الى صعوبة قيام حراك منظم و مخطط في مدينتي دمشق و حلب كما في بقية المحافظات،  و ارتفاع ملحوظ في نبرة التناحر و اللوم بين أولاد المحافظات المختلفة.

كانت احدى توصيات فريق عمل التخطيط الاقليمي في سوريا، و الذي تم تمويله و دعمه بالخبراء و الباحثون من قبل الأتحاد الأوروبي ، هي نقل العاصمة الادارية الى مدينة حمص و دعم نشوء مناطق صناعية أكبر في حلب .
 هذه الخطوة كانت ستجعل من دمشق العاصمة السياسية و الخدمية ، و من حلب العاصمة الصناعية و التجارية -مما سيفتح فرص عمل اكبر لسكان المنطقة الشرقية، و حمص العاصمة الادارية حيث يتم نقل أغلبية الوزارات و الادارات الى هناك. هذا التقسيم الوظيفي سيؤدي الى توزع مراكز الثقل بشكل ممتد جغرافيا و انتشار التطور الاقتصادي للمدن و الضواحي المحيطة بهذه العواصم الثلاثة.

 هذه الخطوات كان من المممكن ان تنشط قطاع النقل البيئي و النقل التجاري المنظم بين المحافظات بشكل أكبر ، و ان تهيء لنشوء ضواحي سكنية  جديدة و منظمة على أطراف المدن ، و تأمين الآلاف من فرص العمل لبناء بنية تحتية معلوماتية تتيح الوصل الافتراضي بين هذه العواصم.

هذه اللامركزية المدينية ستؤدي أيضا الى تحسين الجامعات و الخدمات التعليمية في بقية المدن عبر اعطاء الأهمية و الدعم للكليات و الاختصاصات الجامعية الأكثر علاقة بالوظائف الحيوية لخصوصية المنطقة المحيطة بها و طبيعة العمل المتوفر هناك . هذا سيساعد  على تخفيف حدة استنزاف العقول و هجرة الكوادر ، و سيشجع الشباب على التنقل أكثر بين المدن السورية و التعرف على واقع معيشي و اجتماعي يتجاوز حدود مدنهم الحالية و الأصلية.

ان غنى سوريا بالموارد الطبيعية و موقعها الجغرافي و حدودها الاستراتيجية ، بالاضافة الى العامل السياحي ، كفيل بتأمين غنى اقتصادي كاف لتحسين معيشة الكثير من السكان بشكل ملحوظ . ان الشرط الأساسي للبدء بهذه الاصلاحات هي الشفافية و الحرية و استقلال القضاء ، ووجود جهاز تخطيطي مستقل يعمل لتحسين المعيشة في البلد و توزيع الخيرات على الجميع و ليس على قلة حاكمة تسعى لتوجيه تطور البلاد لمصلحة بقائها فقط .

Wednesday 15 June 2011

الاشتراكية و اليسار السوري و فنون الدفاع عن الذات


كانت كلمة "شيوعي" من اكثر التسميات التي رافقتني أيام طفولتي كوني كنت طفل ينحدر من عائلة يسارية مثقفة تؤمن بحقوق الشعوب بالتحرر و العدالة الاجتماعية و المساواة. 
كان وعيي المحدود وقتها كافيا لأن ادرك ان هذه التسمية فيها نوع من المذمة و العيب ، و كنت كثيرا ارجع الى البيت باكيا لأسأل أمي ان كنت شيوعيا، لأجد ضمة أم خائفة على ابنها من ضغط الأصحاب و همسة تأكيد أنني - كما أهلي - لست شيوعيا و أن هناك فرق بين الشيوعيون و الذين يؤمنون بالاشتراكية. 

مرت السنين و لا زلت أضطر أن أشرح للبعض أنني لست شيوعيا و لا أؤمن بالشيوعية و لا أراها كنظام سياسي مناسب لأي بلد كان . و كنت بعد الكثير من الشرح و التفصيل أنظر الى عيون وخاطبي لأرى نظرة ضياع في التفاصيل، و كثيرا ما قاطعني البعض ليسأل : يعني من آخرو ، بتآمن بالله وللا لأ ؟

هذا الخلط في المفاهيم اللذي صور كل اليساريين على أنهم لادينيون و ملحدون يأتي نتيجة لأرث سياسي و تاريخي طويل يبدأ بشكل أساسي أيام عبد الناصر - الشيوعي - اللذي سحب الأملاك و الأطيان من أيدي البرجوازية السورية (اللتي كانت و لا تزال متدينة بشكل عام) تحت اسم التأميم. و تم تعميق الكراهية مع وصول حزب البعث (المسمى بالاشتراكي و ان كان شيوعيا أكثر من كونه اشتراكيا) الى السلطة و اكمال عملية انتزاع الأراضي تحت اسم الاصلاح الزراعي . و هكذا أصبح اليساريون أعداء الشعب (اصحاب الأملاك) و أعداء الله..

صحيح ارتباط الشيوعية بالاشتراكية في ناحية معينة كون الشيوعية خلقت لتكون الصيغة التطبيقية لرؤية لينين و تروتسكي الاشتراكية، و كان من أهم أهداف لينين وقتها الغاء سلطة الكنيسة الأورثودوكسية التي استمد القيصر مصداقيته منها. لذلك رفضت الشيوعية أي شكل من أشكال الوجود الديني في الدولة من أجل الحفاظ على الدولة كمصدر وحيد للانتماء.

لا تحاول الاشتراكية عمل أي شيء سوى تقديم الأطار العام لبناء الدولة على أساس المساواة . فهي تؤمن اطارا ديموقراطيا لمشاركة الشعب بالحكم و ببناء مستقبل البلاد اللتي يعيشون فيها عبر تشريع الأحزاب و بناء التمثيل البرلماني للجميع ،  و تجعل الدولة مسؤولة أمام الشعب لتقديم خدمات طبية مجانية مفتوحة أمام الجميع و مقدمة من قبل أطباء يتلقون راتبهم من الدولة و ليس من المريض.
و تجعل الدولة مسؤولة عن تقديم التعليم بشكل مجاني أو شبه مجاني (مع تقديم تسهيلات أو اعفاءات ضريبية في حال الدفع) و تأمين الكادر التعليمي المناسب و المؤهل.
و تؤمن الميكانيكية اللازمة و التشريعات المطلوبة لتشكيل النقابات و اتحادات العمال من أجل حماية حقوق العمال من أرباب العمل ، و تعطي هذه الهيآت القوة و الصلاحيات اللازمة لتقوم بعملها على أتم وجه .

هذا النظام الاجتماعي الذي له أبعاد أكبر و أعم من ما ذكرنا بكثير ، غير معني بتحديد حرية الفرد الدينية و لا يمارس أي نوع من أنواع القمع الطائفي ضد شعبه ، بل بالعكس يمنح الشعب القوة اللازمة لفرض ارادته في حرية الممارسة و العبادة ما دام الدين سيبقى مفصولا عن الدولة من حيث التشريع . أفضل أمثلة اشتراكية عالمية هي ألمانيا و فرنسا و انجلترا و كندا و ايطاليا ، و هي أنظمة كانت و ما تزال من ألد أعداء النظام السوفييتي الشيوعي الزائل حيث انها تطبق الجانب الحياتي للأشتراكية مع المحافظة على اقتصاد السوق المفتوح الرأسمالي .

فاذا لماذا ارتبط مفهوم الايمان أم عدمه بايمان الفرد بنظام سياسي ديموقراطي ؟ و لماذا اندمج مفهوم الشيوعية و الاشتراكية كثنائي ملتحم دائما في الوعي السوري ؟ هل سنستطيع أن نصل الى مكان نستطيع فيه اعادة فرز المفاهيم و قبول تعريفات جديدة ؟